خلل بسياسة الدمج أدت لانخراط أقل من نصف اللاجئين في الدنمارك بسوق العمل
خلل بسياسة الدمج أدت لانخراط أقل من نصف اللاجئين في الدنمارك بسوق العمل
يثير تراجع نسبة اللاجئين المنخرطين في سوق العمل الدنماركي سجالا يستغله معسكر اليمين، فيما يعيده المختصون إلى خلل في سياسة الدمج وغياب الخبرة المهنية لكثيرين، فنحو 48 في المائة من لاجئي 2015 يعيشون على مساعدات الرفاهية، و42 في المائة منهم فقط وجدوا عملا كاملا أو جزئيا في السوق الدنماركي.
من بين نحو 21 ألف طالب لجوء وصلوا إلى الدنمارك في 2015 حصل حوالي 10 آلاف و800 منهم على الإقامة، وحصل نصفهم على إقامة مؤقتة قابلة للتجديد بحسب ظروف اللاجئين ودولهم الأصلية.
ووفقا للمركز الدنماركي لمعارف الدمج، فإن 42.8 من هؤلاء انخرطوا في سوق العمل. وتشير الأرقام، بحسب خبراء من المركز، إلى “صعوبة عملية دمج اللاجئين في الدنمارك”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الدنماركية “ريتزاو”، اليوم الثلاثاء، عن هؤلاء.
وبحسب الخبير والمؤسس للمركز راسموس بروغر، فإن انخراط 4 من كل 10 لاجئين في عمل بعد 5 سنوات إقامة “رقم ضئيل في سياق مهمة شاقة لدمج القادمين الجدد في سوق العمل”. ويعيد بروغر بعض أسباب تراجع نسبة العاملين إلى أن “الكثيرين ممن حضروا لا يملكون الكثير من الخبرة المهنية، ولا يجيد آخرون التحدث باللغة الدنماركية ويواجهون بالتالي تحدي الولوج إلى سوق التشغيل”.
وفي مقابل رأي بروغر تجد كبيرة الباحثين في “وحدة أبحاث روكوول”، ماريا لويزا شولتز نيلسن، أن نسبة المنخرطين (42.8 في المائة) “جيدة، ويبدو وكأن الأمور سارت بشكل حسن، فليس هناك مفاجأة بأن الرقم منخفض بين اللاجئين”.
وأردفت نيلسن أن ” قلة في الأصل آمنوا بدخول لاجئي 2015 جميعهم في سوق العمل”. وتشير كبيرة الباحثين في “روكوول” إلى أن من بين أهم الأشياء التي أظهرت فعالية في تشغيل اللاجئين منذ 5 سنوات كانت “تعليم الناس اللغة الدنماركية والحصول على دراسة، فذلك يفيد في بناء قابلية العمل لدى اللاجئين”.
وعن الحلول الممكنة لزيادة نسبة المنخرطين في السوق، تذكر نيلسن أنه “ليس ثمة حلول تشمل الجميع، بل حلول ربما تركز على الجيل الشاب من القادمين الجدد لتحسين آفاق التحاقهم بالشغل، وهو ما أظهرته نسبة الإناث المنخرطات بعمل كقصة ناجحة تمثل مثلا للآخرين، وهو أمر يجب أن نسعى إليه أكثر”.
وهي بذلك تشير إلى أن الإناث القادمات في 2015 (سبتمبر/أيلول عبر مسار البلقان، بقيت بعضهن في البلد في طريقهن إلى السويد)، كن أكثر قابلية للخروج إلى العمل، فيما وجد بعض الرجال صعوبة في التأقلم مع حياة البلد، وأبدى بعضهم عدم رغبة في العيش فيه، وغادر بضعة مئات منهم عائدين إما إلى تركيا أو إلى البلد الذي جاؤوا منه، كما في حالة بعض اللاجئين السوريين، بعد تشديد قوانين لم الشمل وفرض الإقامة المؤقتة على هؤلاء، وآخرون تقطعت بهم السبل في طريقهم إلى السويد بعدما أوقفتهم الشرطة الدنماركية وأخذت بصماتهم، ما يعني أنهم لم يعودوا قادرين على طلب اللجوء في السويد.
رغم نجاح الإناث، من فئة الشابات، في الدراسة والعمل، إلا أن صعوبة “واجهت النساء المتزوجات والأمهات في التوفيق بين حياة الأسرة والعمل، من ضمن النسبة المتبقية التي لم تلتحق بعمل”، وفقا لنيلسن.
وجدير بالذكر أن سبتمبر/أيلول 2015 شهد موجة لجوء كبيرة نحو القارة الأوروبية، حيث بلغ عدد اللاجئين نحو مليون، توزعوا على: السويد حوالي 163 ألفا، وألمانيا أكثر من 840 ألفا، أكثر من نصفهم من السوريين، ولم يكن نصيب الدنمارك من عموم اللاجئين سوى 21 ألفا، ولم تمنح اللجوء بعد 5 سنوات سوى لأكثر من 10 آلاف بقليل.
وتثير مسألة دمج اللاجئين في سوق العمل سجالا سياسيا واقتصاديا في كل من الدنمارك، التي تشددت كثيرا في قوانينها، والسويد التي لحقت أيضا بكوبنهاغن في تشديد قوانينها لدمج مئات آلاف اللاجئين الذين رفضت طلبات نحو 50 ألفا منهم. وعادة يستغل يمين الوسط، وبدعم اليمين المتشدد، تلقي اللاجئين للمساعدات الاجتماعية بدل العمل في أعمال عرضت على البعض منهم ورفضوها.
وتثير وسائل الإعلام قصص رفض البعض لأعمال خدمية بحجة أنها “لا تناسبهم”، ما يجعل اليمين المتشدد يدفع أكثر نحو قوانين متشددة. ومن بين تلك القوانين المتعلقة بالحالة المالية للاجئي 2015 ووضع سقف للمبلغ الذي يتلقاه اللاجئون العاطلون من العمل من الدولة ليوازي “حد الكفاف” منذ ربيع 2016، وهو الذي أثار انتقادات بسبب “نشره للفقر بين اللاجئين”.
ولم تغير حكومة يسار الوسط، التي جاءت إلى الحكم في أعقاب انتخابات 2019، شيئا من تلك التشديدات التي طاولت السوريين، واعتبار نحو 4700 مقيم منهم “بصفة مؤقتة”، حيث بدأت بتطبيق سياسة “دورات للعودة إلى الوطن الأصلي” بدل دورات للدمج والحياة في البلد.
ورغم تبدل الحكومات، في كوبنهاغن واستوكهولم، ما زالت القوانين المتشددة سارية حتى بعد 5 سنوات من إقامة هؤلاء، الذين يجد بعضهم نفسه على الهامش وبدون محفزات لدى 48 في المائة منهم للانخراط في سوق العمل أو التخطيط لبقاء دائم في البلد مع قوانين تدرس إمكانية إعادة اللاجئين إلى بلادهم “حال تحسن الوضع الأمني فيها”. تركز الدنمارك في سياساتها، التي جعلت أيضا من لم شمل الأسر (بين الأزواج وأطفالهم، المنتظرين في تركيا وغيرها) يمتد لسنوات طويلة، ما أدخل أيضا اليأس إلى نفوس بعض السوريين من سياسات اللجوء المنتهجة، والتي لم تعد تمنح اللجوء بناء على “حالة البلد الأصلي”، بل اللجوء على أساس فردي لكل حالة ومدى المخاطر التي تحدق باللاجئين.
ورغم ذلك تجد كل من السويد والدنمارك قصص نجاح فردي للاجئين من سورية في مجالي الدراسة والعمل، وبعضهم تفوق على نظرائه من اللاجئين وشباب المجتمعات المستقبلة، وإن كان أيضا سيف “الإقامة المؤقتة” يؤرق أكثرهم.